بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أكتب إليكم كلاما جميلا للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله و نور قبره من كتابه الماتع الداء و الدواء .
قال رحمه الله تعالى : ... و قد استقرت حكمة الله تعالى به عدلا و فضلا أن " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " _ حديث حسن _ ، و قد ضَمِنَ الله سبحانه لمن تاب من الشرك و قَتْلِ النفس و الزنى أنه يبدل سيئاته حسنات ، و هذا حُكْمٌ عام لكل تائب من كل ذنب .
و قد قال تعالى : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم "( سورة الزمر : 35 ) ، فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق التائبين خاصة .
... و إذا نَظَرْتَ إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم و بين حسن الخاتمة ، عقوبة لهم على أعمالهم السيئة .
قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي رحمه الله : " و اعلم أن لسوء الخاتمة -أعاذنا الله منها -أسبابا ، و لها طرقٌ و أبوابٌ ، أعظمها الإنكباب على الدنيا ، و الإعراض عن الآخرة ، و الإقدام و الجرأة على معاصي الله عز و جل ، و ربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ، ونوع من المعصية ، و جانب من الإعراض ، و نصيب من الجرأة و الإقدام فَمَلَكَ قَلْبَهُ ، و سَبَا عقله ، و أطفأ نوره ، و أرسل عليه حُجُبَهُ ، فلم تنفع فيه تذكرة ، و لا نجعت فيه موعظة فربما جاءه الموت على ذلك ، فسمع النداء من مكان بعيد ، فلم يتبين المراد ، و لا علم ما أراد ، و إن كرر عليه الداعي و أراد .
و ذكر رحمه الله تعالى نماذج من سوء الخاتمة ثم قال :
و لقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح ، فلما أصبح قيل له : كل هذا خوفا من الذنوب ؟ فأخذ تِبْنَةً من الأرض ، وقال : الذنوب أهون من هذا ، و إنما أبكي من خوف سوء الخاتمة .
وهذا من أعظم الفقه : أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت ، فَتَحَولَ بينه و بين الخاتمة الحسنى .
وقد ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء أنه لما احتضر جعل يغمى عليه ثم يفيق ، و يقرأ : ( و نقلب أفئدتهم و أبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة و نذرهم في طغيانهم يعمهون " سورة الانعام : 110 )
فمن هذا خاف السلف من الذنوب ، أن تكون حجابا بينهم و بين الخاتمة الحسنى .
قال : واعلم ان سوء الخاتمة _ أعاذنا الله منها _ لا تكون لم استقام ظاهره و صلح باطنه ، ما سُمِعَ بهذا و لا علم به و لله الحمد ، و إنما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبائر ، و إقدام على العضائم ، فربما غلب ذلك عليه حتى نزل به الموت قبل التوبة ، فيأخذه قبل إصلاح الطوية ، و يَصْطَلِمَ قبل الإنابة ، فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة و يختطفه عند تلك الدهشة ، و العياذ بالله .
____________
كتاب الداء و الدواء
فصل : تحريم الفواحش و وجوب حفظ الفرج .
__________
لا تنسونا من صالح دعائكم