ترك الإسلام اتقاء الفتنة !
إننا إذا نظرنا إلى جسم هذه الأمة يهولنا ما نرى، غير أن كل ذلك يزول إذا وضعناها على ميزان الدين الحق، فنرى هزالها وسمونا عليها بديننا.
إنك إذا حدثت الناس عن كفرهم، ووضعت يدك على مكمن الداء صاحوا بك قائلين: دعنا مما يفرقنا، ونحن أمام أعدائنا، وهم قد تداعوا علينا، وهي نفسها حجج الكفار قديما مع أنبيائهم، ولو اتقى الأنبياء الفتنة لما دعوا إلى دين الله
وهذا لأن القوم يضعون مصلحة أمتهم قبل مصلحة الإسلام كسائر الكفار، يثبتون الإسلام لأمتهم اتقاء شماتة الأعداء بتمزق صفوفها.
...
إن هذه الإدعاءات ليست ردودا علمية تقنع العقول، بل تغطي العقول بغشاوة العاطفة، فالأدلة العلمية تبنى على نصوص الكتاب والسنة، وعلى معادلات منطقية تنبثق منها: بما أن كذا فإن كذا وكذا
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا]
[النساء: 174]
وقد يلقون بشبهات لا ردا على الأدلة، ولكن لبلبلة الأفكار، وإضعاف العزائم، والإكثار من العقبات، فتكون مبررا لمن لا يريد الحق.
ويقول بعضهم أن من عادة علماء السلف أنهم كانوا يتركون الفتوى إذا كانت تؤدي إلى الفتنة، حتى ولو كانت صحيحة، فيحتجون بهذا على ترك إنكار الكفر، والحقيقة أن العلماء قد يسكتون عما يساء فهمه من طرف عامة المسلمين، ولا يسكتون عن الكفر، لأن الكفر هو أكبر الفتن.
إن التكفير يمزق الصفوف ويحدث الفتن إذا كان في حق المسلمين، وهؤلاء ينطلقون من قاعدة أن الأصل في هذه الأمة الإسلام، فإن وقع الكفر فيها فهو كفر ردة.
وكل من ينطلق من هذا المبدأ يقع في تخبطات وتناقضات لا حصر لها، لغلبة الكفر على الناس حتى صاروا لا يعرفونه، فالذين يركزون على موانع تكفير المسلم وعلى الأقوال المكفّرة الناقضة للإسلام، يتجاوزون الحقائق الظاهرة الدالة على كفر الأمة أصلا
والواقع أن عدم الإنطلاق من التوحيد هو الذي مزق أمتهم.
إن الجماعة التي يفرقها التوحيد ويجمعها الكفر مآلها جهنم
وهل أمِرنا أن نعتصم بحبل الشيطان ما دمنا لم نتفق على الإعتصام بحبل الله؟!
والجماعة التي نهانا نبينا عن تفريقها هي كما يقول عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-:
(إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك)
هكذا فهمها سلفنا الصالح، وقد كانوا في أمة مسلمة، فما بالك بهذا الزمان الذي أظهر أهله من الكفر ألوانا لا تحصى؟!
وحقيقة قولهم: هل من المعقول تكفير كل هؤلاء الناس؟ لكن إذا كان من المعقول كفرهم فمن المعقول تكفيرهم أيضا وحتما.
وعلى قدر مخالفة الدعوة للواقع يبتعد الناس المدعوون عنها، لكننا نجد علماءهم يستدلون باتباع الناس لهم كثيرا، وهذا إن كان دليلا فهو دليل على بطلان دعوتهم، لو قسناها بدعوة الكثير من الأنبياء، لكن هذا ليس بحجة أصلا، لأن الحق لا يقاس بهذا.
فسقوط المعسكر الإشتراكي ليس دليلا على بطلان مبادئه، وإن كان بطلانها سببا لانهياره، لأننا في المقابل نجد نظيره الرأسمالي منتصرا، وفي المقابل لو احتجت دعوة على صحتها بقلة أنصار الأنبياء لكان دليلا باطلا أيضا.
إن كل الملل والمذاهب البشرية الجاهلية تفسر حسب واقع أهلها، وإن انحرفوا عن أصلها، حفاظا على وحدتهم، لأنهم يعتقدون أنهم صاروا جزءا منها، وأن انتسابهم إليها دليل على صحتها، وكذلك انسحب هذا على الإسلام، لكن الإسلام كدين إلهي مجرد عن عنصر الغير
وكل مذهب يستند إلى الجماهير يضمحل متى ذهب عنه ذلك السند الذي يتكئ عليه.
وكل ذي لب يعلم أن اعوجاج الناس لا يدعوه إلى الإعوجاج ولا يضطره إليه، بقدر ما يدعوه إلى الإستقامة أكثر، وجهلهم بالحق لا يدعوه إلى إعادة النظر فيما يؤمن به من الحق.
فإن ضل الناس فإن عليه أن يستقيم على الجادة، ولا يجعل أحد اتباع الناس الباطل حجة إلا ضعيف اليقين
فإذا كفر الناس فاثبت أنت وكن أنت مسلما
وإن قيل لك: أنت تغرد خارج السرب
فقل: لئن أغرد خارج السرب أحب إلي من أن أصيح مع القطيع
وإننا لعلى هذا الدين قائمون -بإذن الله- وإن لم يتبعه الناس.
هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا بمذاهبهم الكفرية
ونحن رددناهم إلى الأمر الأول ولم نفرقهم بعد صحة دينهم
يقول الله -عز وجل-:[وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ، مِنَ الذِينَ فَرَُّّقوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ] [الروم: 31/32]
والخلاف ليس كله فتنة، فمنه ما يكون محمودا كمخالفة الأنبياء أقوامهم فقالوا: "فرقت جماعتنا"
[قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى]
[طه: 63]
وقد سمى الله حرب قريش للمسلمين فتنة فقال:[وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ] [البقرة: 191] ، رغم أن المسلمين هم الذين فرقوا شملها وبدأوها بدعوتهم
لأن هذا الدين هو الأصل في البشرية
فهو دين خالقها لا مذهبا بشريا مستحدثا
فيجب أن تفتح له الأبواب
وأي وقوف في طريقه هو الفتنة
قال الله –تعالى-: [إنَّ الذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ] [البروج: 10].
يتبع إن شاء الله ...
فالحق أحق بأن يُتَّبَعَ وإن فرق، والباطل أحق بأن يترك وإن جمع وألف بين الناس.
ما أجدر الحق أن تحنى الرؤوسُ له وأن يُشالَ على الأعناق كالعَلـمِ
وإن بطلان الشيء لا يستنتج من خطورة آثاره، بل هو باطل في ذاته، وكونه حقا لا ينفي عنه هذه الصفة ما يترتب عليه،
والإتحاد على الباطل باطل، والتفرق بسبب الحق حق مثل الإتحاد عليه، فلا يصح أن ينتظر أحد إيمان قومه بالحق حتى يؤمن.
لكن النفس تستريح لاتباع الناس وإن ضلوا، وحتى وإن كانت عواقب ضلالهم وخيمة، لأن البلايا إذا عمّت خفّت، وإن انفردت عنهم تشعر بالوحشة.
فلينظروا حججا أخرى تثبت إسلامهم، أما هذه فلا يصح أن تسمى حججا، ولن يجدوا، وكيف وقد نبشوا كل شيء بحثا عنها في الوحي ثم في أقوال الرجال، يحتج بعضهم بقول بعض وفعله، أي بما يحتاج إلى حجة، يأتي المؤمن بقول الله ورسوله، ويأتون بقول فلان وفلان.
ثم هم يشمتون باختلاف المسلمين ومنازعاتهم، ويستدلون بذلك لتنفير الناس عنهم، جاعلين ذلك نتيجة حتمية لدينهم، ونسوا تفرقهم بعد كفرهم، وقد تنازع المسلمون الأولون بل اقتتلوا واجتهدوا لإصلاح شأنهم، فهل هذا دليل على بطلان دينهم؟!
إنه إن يكن العيب فالعيب فيهم لا في دينهم، [قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ][الملك: 28].
ولهذا نقول:
إن على الذين يهمهم وحدة أمتهم ويخشون الإختلاف أن يركعوا للحق، الذي قد يؤدي إلى تفرقها إن لم تعتصم به، ويسلّموا له.
وأما المسلمون الذين يبالغون في التميز والتصفية ولو في أدق الأمور، فعليهم أن يميزوا بين المستحبات والواجبات، وبين المنكر الأصغر والأكبر، ويقارنوا المصالح والمفاسد، لأن المفسدة الكبرى انتفت في حقهم بتحقيقهم الإسلام، وكل اختلاف دون الكفر يُصلح في إطار الإسلام والأمة المسلمة الواحدة بواسطة الآليات المشروعة.
[من فضائح المشركين بتصرف يسير]
المصدر: منتديات التوحيد الخالص